يده ممسكة بعصا خشبية قد أكلتها الحشرات، يرتجف بكثرة كما لو أنه طفلا قد رأى دبابة، يحاول الكلام ولكن لا صوت له، قدماه تؤلماه فلا يقدر على الحراك.
يجلس هناك وحيدا، تحت الشجرة، دققت في شكله الخارجي، بدا لي فقيرا، لا عائلة له، كان يحتاج إلى المساعدة، وشيئا ما أوقفني من التوجه إليه، بل وأيضا أبعدني عنه.
لم أكن أعرف ما الذي يجري، كنت ضائعا في أفكاري، وأسرح في الرجل، أردت مساعدته، وسؤاله عن حاجته، ولكن أظنني تأخرت.
بدأ بالحراك، قوى قبضته على عصاه، واستند عليها، وبدأ بالوقوف، كانت حركته بطيئة جدا كالوقت، فيرفع يده الأخرى ليمسك بكيس من القماش، كيس قذر، حمله بقوة كبيرة مهتم بما داخل الكيس.
أحسست بثقل الكيس على كتفه، وأخيرا توجهت إليه، بل انطلقت مسرعا لمساعدته، ربما أردت معرفة ما بداخل الكيس، فاهتمامه به وطريقة إمساكه للكيس بإحكام كانت مريبة، وكأن ما بالكيس كنز.
سألته إن كان يحتاج إلى المساعدة، لم يرد علي، سألته ثانية، فنظر إلي بغضب ولم يحكي شيئا، تعجبت! فقررت أن أرحل وأتركه.
كرهت كبار السن من وراءه، لم أكن أعلم ببغضه، شفتاه كانتا متمزقتان، جافتان كأنهما لم ترطبا منذ فترة، بشرته كانت مشتاقة إلى الماء، شعره كان بحاجة إلى قطرتين من الماء ليعود حيا.
قررت العودة إليه، فسألته وللمرة الأخيرة، فأجابني: " إن كان بإمكانك حملي فاحملني". لم أكن أعرف ما قصده ولكنني فهمته بالطريقة الخاطئة عندما تجرأت لأخذ ذلك الكيس.
سحبه بقوة مني، كأنه عاد شابا لوهلة، قوة مذهلة لهذا الرجل، فدفعني بيديه الاثنتين، حدث كل ذلك في لحظة، فلم أر نفسي إلا ملقى على الأرض، محاولا النهوض، ولكن دون جدوى.
لقد شللت، فأغمضت عيني، وتمنيت في تلك اللحظة أن يكون حلما، رأسي كانت تؤلمني، وقدماي...، لم أعد أشعر بهما، أما ذراعاي، فإحداهما قد كسرت.
نعم، حدث لي كل هذا من رجل عجوز، بجسد ضعيف، وحزن كان يرافقه طوال حياته.
لا أظن أني سوف أحكم على الناس من مظاهرهم أو أعمارهم بعد الآن، ها أنا نادم على اللحظة التي حكمت فيها على الرجل وتصرفت بسرعة بدون تفكير، ليس لمساعدته بل لمعرفة ما بداخل ذلك الكيس الغبي.